المدونة
الأزياء السعودية تستلهم التنوع البيئي والقيم الاجتماعية

تزخر المملكة العربية السعودية بنظام بيئي شديد التنوُّع على مساحات شاسعة، وينعكس هذا على نمط الحياة الاجتماعية، ويلعب دورًا محوريًا في التأثير على الملبس والمسكن والمأكل. فالملابس جزء من نظام التواصل غير اللفظي، وهي تمثِّل لغة الزينة الشخصية.
لا تقتصر أهمية الملابس على أنها تؤدي دورًا وظيفيًا في تغطية الجسم فحسب، بل هي ذات دلالات رمزية عديدة، وتؤدي دورًا مهمًا عند تقديمنا إلى الآخرين. فالملابس تعرض هويتنا الفردية وتبرزها، وتكتسب أهمية ملحوظة خلال مشاركتنا في الطقوس الاجتماعية التي تتراوح ما بين التفاعلات اليومية البسيطة والمناسبات الاحتفالية الخاصة. وتسهم أنواع وألوان التصاميم والأقمشة المستخدمة في حياكة الملابس بأشكالها وأنماطها المختلفة، وأنواع الزخارف والتطاريز، بالإضافة إلى موضع الزخرفة ومداها، في تشكيل الطابع العام للثوب ليعكس القيم الاجتماعية والهوية والأسلوب الشخصي.
رحلة النسيج والقماش
قديمًا، لم يكن الحصول على الأقمشة والنسيج في شبه الجزيرة العربية من الأمور السهلة في حدود الإمكانات المتواضعة، وفي ضوء ظروف الندرة في فترة ما قبل توحيد المملكة. وتشير كتب الرحَّالة والمؤرخين إلى أن سكان الصحراء والبوادي في شبه الجزيرة العربية لم يعرفوا سوى الغزل من فراء الأغنام ووبر الجمال، وهو ما تقوم به النساء عادة في البادية وفي الريف، بالإضافة إلى الأقمشة التي يتم الحصول عليها بالمقايضة من خلال عبور قوافل الحج أو بعض التجار.
فإلى حدٍ كبير، كانت فرص الحصول على أقمشة متنوِّعة ترتبط بالحدود الجغرافية والتضاريس البيئية. فمنطقة الحجاز تميزت بوفرة الأقمشة، خصوصًا تلك التي كان يجلبها الحجاج معهم من الهند وجنوب شرق آسيا، إضافة إلى أن المدن الساحلية كانت بمثابة ممرّات تجارية تسهل التبادل الاقتصادي آنذاك. وكذلك الأمر بالنسبة لشرق المملكة، خصوصًا الأحساء، التي عرفت تنوعًا كبيرًا من الأقمشة المستخدمة في الملابس التقليدية بحكم تجارتها مع الهند.
أما المناطق الشمالية فكانت تحصل على الأقمشة من خلال التجار القادمين من بلاد الشام، في حين أن الحصول على الأقمشة في مرتفعات جبال السراة لم يكن أمرًا هينًا، إلا أن كثيرًا منها الأقمشة كان يصل إلى تهامة من قوافل التجارة والحجاج من اليمن، وتتم مقايضتها مع سكان السراة.
وفي الحقيقة لم تعرف المملكة قبل التوحيد مصادر دائمة للحصول على الأقمشة، إلا أن السكان استخدموا موجودات البيئة المحلية سواء النباتية أم الحيوانية لغزل المنسوجات وحياكة الملابس مما يتوفر لهم من أقمشة.
آثار البيئة والوظيفة في تصاميمها
خضعت حياكة الملابس قديمًا لعوامل أساسية، من أهمها مدى مواءمتها لنمط الحياة. فطبيعة الجلوس أرضًا فرضت الملابس الطويلة والفضفاضة للجنسين، هذا إضافة إلى أن النسب المستخدمة من القماش تكون وفقًا لمعدَّلات درجة الحرارة محليًا. فالملابس في المنطقة الوسطى تتسم بالأكمام الواسعة التي تسمح بدخول الهواء، ووجود طيات متعدِّدة للمحافظة على رطوبة الجسم. وعلى النقيض من ذلك، في بيئة سلسلة جبال السروات الأكثر اعتدالًا، يرتدي الأفراد ملابس مناسبة للعمل الزراعي. ففساتين النساء وثياب الرجال ذات قصات أضيق، وتتمتع أكمامها بمواءمتها لليد. في حين تفرض قسوة الشتاء وحرارة الصيف في المناطق الشمالية على أهلها ارتداء الفروة للمحافظة على رطوبة الجسم صيفًا والحصول على الدفء في الشتاء. وكان غطاء الرأس واللثام بالنسبة للجنسين يلعب دورًا محوريًا في المحافظة على سلامة الجهاز التنفسي من العواصف الرملية والوقاية من أشعة الشمس القاسية في المناطق الصحراوية والريفية والمرتفعات.
أما المدن الساحلية في غرب المملكة وشرقها، فكانت غنية بتنوُّع الأقمشة المستخدمة والتصاميم والزخارف في ملابس الجنسين. ولم يكن هذا التنوُّع بسبب وفرة الأقمشة فقط، بل هو خاضع لتنوُّع مجالات الحياة اليومية، سواء على مستوى المهن وخصوصًا مهنة الخياطة، أم على مستوى أنماط السكن وتعدد الأصول الاجتماعية. فهناك ملابس مخصصة للمنزل بالنسبة للرجال تتكوَّن في الغالب من قطعتين، مثل قميص قطني والوزرة أو الفوطة، وهذه يتم ارتداؤها أيضًا للعمل في مجال الصيد. وهناك الملابس المخصصة للخروج والعمل اليومي والمناسبات الاجتماعية والدينية.
أما بالنسبة لملابس النساء، فهي تميل إلى الألوان الزاهية والتطريز بالخيوط الذهبية في المنطقة الشرقية. بينما تتسم الملابس النسائية في المنطقة الغربية ببساطة تفاصيلها، معتمدة أكثر على تنوُّع الأقمشة المتاحة. كما أن التركيز على “الإكسسوارات” يُعدُّ أمرًا لافتًا للانتباه، خصوصًا استخدام الأزرار المصنوعة من الذهب أو الأحجار الكريمة في الملابس المخصصة للمناسبات الاجتماعية الخاصة بالطبقة ميسورة الحال. وتختلف الأزياء النسائية الخاصة بالمناسبات الاجتماعية في بادية الحجاز وريفها، إذ تتسم باتساع الأكمام بشكل مستطيل، وبتداخل التطريز في منطقة الصدر والأكمام كما هو سائد في أغلب المناطق الريفية والبدوية مع اختلافات طفيفة.